الخميس 1 جمادى الأول 1447 هـ الموافق 23 أكتوبر 2025 م
العِلم النَّافع طريقٌ إلى النَّهضة والفلاح
الأربعاء 30 ربيع الآخر 1447 هـ الموافق 22 أكتوبر 2025 م
عدد الزيارات : 102
العِلم النَّافع طريقٌ إلى النَّهضة والفلاح
عناصر المادة
1- نورٌ يبدِّد الظُّلمات
2- علَّمْتَ أبي
3- العزيز العليم

مقدمة:

مع انطلاقة العمليّة التّعليميّة في جامعاتنا، ومع التحاق طلبة التّعليم العالي بمقاعد الدّراسة ومخابر التّجربة العمليّة مِن الجيّد أن نرسم الخطوط العريضة للعِلم والتّعلّم في الإسلام، وإنّ أهمّ هذه الخطوط: النّيّة، وضبط النّيّة في مطلع العام الدّراسيّ أمرٌ بالغ الأهمّيّة، حتّى تكون الانطلاقة صحيحةً، ومَن صحّت نيّته ابتداءً وصحّت انتهاءً يُرجى له أن يُغفر ما بينهما، مع العِلم أنّ النّيّة كثيرًا ما تتقلّب على صاحبها، لذا فإنّ علينا في طلب العِلم وسائر العبادات حيال النّيّة أمرين، أوّلهما: تصحيح النّيّة عند البدء، وثانيهما: رعايتها أثناء العمل، فلا تسكن نفوسنا إلى النّوايا غير الصّالحة، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رحمه الله، قَالَ: "مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي؛ لِأَنَّهَا تَنْقَلِبُ عَلَيَّ، وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ، قَالَ: تَخْلِيصُ النِّيَّةِ مِنْ فَسَادِهَا أَشَدُّ عَلَى الْعَامِلِينَ مِنْ طُولِ الِاجْتِهَادِ". جامع العلوم والحكم: 1/70
ومِن النّيّات الفاسدة الّتي تُذهب بأجر طلب العِلم وبأجر أيّ عملٍ آخر أن يفعلها المرء طلبًا لثناء النّاس واستجلابًا لمدحهم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ). سنن ابن ماجه: 253
العِلم بضاعةٌ شريفةٌ، فلا يصلح أن نجعلها وسيلةً نتوسّل بها إلى الأغراض الدّنيئة، ومَن فعل ذلك استحقّ أن يُعاقب بالنّار، نعوذ بالله.
1- نورٌ يبدِّد الظُّلمات
كثيرةٌ هي النّصوص الّتي حثّت على طلب العِلم، ووعدت السّاعي في سبيله بالأجر الجزيل، وجعلت خطواته تبدأ مِن الأرض وتنتهي في الجنّة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ). صحيح مسلمٍ: 2699
لكن ما هو العلم الّذي حثّت الشّريعة على خوض الصّعاب في سبيله، هل هو العلوم الكونيّة الّتي تنفع النّاس في معاشهم؟ أم هو العلوم الدّينيّة الّتي تضبط للنّاس عباداتهم؟ إنّه كلّ علمٍ يقرّبنا إلى الله ويعرّفنا عليه، فمقصد وجودنا في هذا الكون أن نعرف ربّنا ونعبده، ما خلقنا إلّا لهذا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذّاريات: 56-58].
وهنا يظهر امتياز علوم الشّريعة على سواها، إذ إنّها صريحةٌ في المطلوب، خاصّةً منها العلوم الّتي تدور مع الوحيين، فتفسّر القرآن وتشرح الحديث، لكنّ علوم الكون يمكن أن تكون بوّابة تفكّرٍ وتأمّلٍ في الكون الفسيح ممّا يوصلنا إلى الله ويعرّفنا عليه، فربّنا له آياتٌ مقروءةٌ في قرآنه، كلامه المحفوظ {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصّلت: 41-42].
وربّنا له آياتٌ منثورةٌ منظورةٌ في الكون، ومِن خلال النّظر في مجموع آياته نتعرّف إليه، فنحبّه ونعظّمه ونقرّ له باستحقاقه أن يكون الإله المعبود دون سواه، وعلى سبيل المثال: الآية السّابقة لم تُختم إلّا بذِكر اثنين مِن أسماء ربّنا الحسنى (الحكيم الحميد)، وهذا مِن قبيل تعريف الآيات المقروءة بالله، ومَن قرأ آيات الكون دلّته على ربٍّ حكيمٍ، يدبّر الأمر فلا ترى في خلقه فطورًا، وتتضافر الآيات المقروءة في القرآن والمنظورة في الكون لتصل إلى نتيجةٍ واحدةٍ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصّلت: 52-54].
فعلوم الكون بوّابةٌ إلى معرفة الخالق العظيم.
2- علَّمْتَ أبي
يعتمد كثيرٌ مِن الطّلبة على الأسباب الكونيّة لتحصيل العلوم، فيقتنون الكتب، ويسهرون اللّيالي يقرؤون ويحفظون، ويمضون النّهارات يحضُرون المحاضرات ويكتبون، وهذا كلّه حسنٌ إذا ما ابتغي به وجه الله، وجعله الطّالب قربةً لربّه، ينوي رفعة أمّته وإغنائها عن احتياجها إلى الخبرات العلميّة الأجنبيّة، لكن عليه أيضًا ألّا يغفل عن الأسباب الشّرعيّة لطلب العِلم، فالعليم هو الله، وهو مَن علّم أبانا {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31-33].
قال ابن تيمية رحمة الله: "وَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ... وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ، وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِأَنْ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ". مجموع الفتاوى: 11/95
وعلّم رسولنا {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النّساء: 113].
وعلّمنا بواسطة رسوله، فألزمنا أن نذكره ونصلّي له شكرًا على نعمة التّعليم {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 151-153].
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238-239].
والحفاظ على الصّلاة ورَدَ في موضعٍ آخر بعد أن ذكر الله امتنانه على الأمم السّابقة أن علّمهم، ثمّ امتنّ على أمّتنا أن علّمها، ووجّهنا إلى الحفاظ على الصّلاة، وبالشّكر تدوم النّعم وتزيد {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 91-92].
3- العزيز العليم
مِن أهمّ الأسباب الشّرعيّة لطلب العِلم أن نؤمن أولًا أنّ العليم هو الله، وأنّ عِلمه أحاط بكلّ شيءٍ، فإذا كنّا ندرس الذّرّة وإلكتروناتها، أو المجرّة وكواكبها ونجومها، أو كنّا ندرس ما بينهما مِن خلايا وأنسجةٍ وأعضاء وأجهزةٍ وسوى ذلك فلنتذكّر قبلًا أنّ ربّا خلق فأحكم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
فإذا علمنا ذلك فلنطلب العِلم مِن مصدره الحقّ، بأن ندعو الله أن يعلّمنا، فالدّعاء هنا مِن الأسباب الشّرعيّة الّتي ينبغي ألّا يغفل الطّالب عنها بحالٍ، كيف وقد وجّه الله نبيّه أن يدعو {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وكثيرةٌ هي الآيات الّتي نبّهت إلى اسمي الله (العزيز العليم) بعد أن تحدّثت عن آيات الكون {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 96].
وبعد الحديث عن خلق الأزواج في الكون وخلق الشّمس {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 36-38].
وبعد الحديث عن النّجوم وخلق السّماوات {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فُصّلت: 12-13].
بل ذكَر على لسان الكفّار إقرارهم بأنّ خالق السّماوات عزيزٌ حكيمٌ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزّخرف: 7-9].
وكأنّ الآيات تقول لنا: "قبل أن تدرسوا علوم الكون التفتوا إلى خالق الكون، فهو العليم، فاعلموا أوّلًا ألّا إله إلّا هو" {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمّد: 19].
واعلموا أنّه العليم فاطلبوا مِنه أن يعلّمكم، وجاهدوا في سبيله أن يهديكم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
ولنتذكّر دائمًا أنّ هذه المجاهدة والتّقوى مدخلٌ عظيمٌ ننال به النّور الّذي نفرّق به بين الحقّ والباطل، بين الجهل والعلم.
خاتمةٌ:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
قال القرطبي رحمه الله بأنّ هذا "وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنِ اتَّقَاهُ عَلَّمَهُ، أَيْ يَجْعَلُ فِي قَلْبِهِ نُورًا يَفْهَمُ بِهِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ، وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ ابْتِدَاءً فُرْقَانًا، أَيْ فَيْصَلًا يَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ". تفسير القرطبي: 3/406
وذلك نظير قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].
ومِن تمام التّقوى أن نعمل بما علِمنا، فإذا علمنا أنّ لهذا الكون ربًّا عظيمًا، فلنقف بين يديه خاشعين محافظين على صلواتنا، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله: "إِنَّمَا قَصَّرَ بِنَا عَنْ عِلْمِ مَا جَهِلْنَا تَقْصِيرُنَا فِي الْعَمَلِ بِمَا عَلِمْنَا، وَلَوْ عَمِلْنَا بِبَعْضِ مَا عَلِمْنَا لَأَوْرَثَنَا عِلْمًا لَا تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}". تفسير القرطبي: 13/364
فيا مريد النّور اتّق الله يتنوّر قلبك، وتتحصّل على ثمرة العِلم الّذي تبذل في سبيله ما تبذل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28].
لنسعَ إلى جامعاتنا مخلِصين لله، ننوي رفعة أمّتنا وتزويدها بالعِلم سلاح العصر، ولنتذكّر أنّ العلم المحمود هو العِلم الّذي يقرّبنا إلى ربّنا، فلنجعل علوم الكون علوم نظرٍ في آيات الله تعرّفنا عليه وتقرّبنا إليه، ولنتذكّر أنّ لطلب العِلم أسبابًا شرعيّةً؛ منها أن ندعو العليم أن يعلّمنا وأن نتّقيه.
يا عليمًا إنّي عليك اعتمادي    ربّ زدني علمًا لنفع بلادي
غاية العِلم أن أصير تقيًّا    إنّ تقواي في القيامة زادي
1 - جامع العلوم والحكم: 1/70
2 - سنن ابن ماجه: 253
3 - صحيح مسلمٍ: 2699
4 - مجموع الفتاوى: 11/95
5 - تفسير القرطبي: 3/406
6 - تفسير القرطبي: 13/364
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 125) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 17%
لا أدري (صوتأ 4) 3%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 156