1- نتائج الاختبارات
2- النتيجة الأخطر
مقدمة:
عاشت سوريّا الأسبوع الفائت على صفيحٍ ساخنٍ كما يقال، فحالة الجوّ كانت كالصّفيح السّاخن بالفعل، إذ وصلت درجات الحرارة إلى مستوياتٍ عاليةٍ، ضاق بها كثيرٌ مِن النّاس ذرعًا، وحالة الكثير مِن البيوت كانت تغلي في انتظار نتائج اختبارات امتحانات الشّهادتين؛ الأساسيّة والثّانويّة، والحالة السّياسيّة شهدت تطوراتٍ كبيرةً جدًّا في ملفّ قسد وأحلامها بالانفصال عن سوريّا، ممّا سخّن ملفّها إلى مراحل لم تبلغها مِن قبل، وعاد الحلّ العسكريّ يلوح في الأفق مِن جديدٍ، فتأهّب النّاس للحرب إذ سمعوا طبولها تُقرع، ولبس المجاهد درعه وجعبته إذ رأى سوق الجهاد تروج في بلاده بعد نوع تبريدٍ.
وليس بعيدًا عن سوريّا، في طرف بلاد الشّام الجنوبيّ الغربيّ جرحٌ نازفٌ لا يرقأ، ويزداد نزيفه مع تهديدات العدوّ باجتياحٍ كاملٍ شاملٍ لقطّاع غزّة المكلوم، لتبلغ المحنة رتبةً لم تبلغها مِن قبل، وتخفق معها قلوب المستضعَفين، وتشخص أبصارهم للسّماء، وتبلغ القلوب الحناجر، كأنّ فيهم نزل {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10-11].
والأمل معقودٌ بالله الّذي نصر نبيّه يوم الأحزاب أن يكون عونًا للمستضعفين ونجاةً لهم، وقد اجتمع عليهم الخوف والجوع مِن كلّ حدبٍ وصوبٍ، في اختبارٍ ما مثله اختبارٌ، فاللهمّ أفرغ عليهم صبرًا وثبّت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين، اللهمّ أطعمهم مِن جوعٍ وآمنهم مِن خوفٍ، واستر عوراتهم وآمن روعاتهم، واحفظهم مِن بين أيديهم ومِن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ونعوذ بعظمتك أن يُغتالوا مِن تحتهم.
1- نتائج الاختبارات
تُعدّ الامتحانات جزءًا مِن سنن الحياة الّتي تمرّ بها البشريّة، سواءً كانت دراسيّةً أو حياتيّةً أو إيمانيّةً، يقول الحقّ سبحانه {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].
{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التّوبة: 126].
وعن عُبَيْدَةَ بْن حُذَيْفَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسَاءٍ نَعُودُهُ، فَإِذَا بِسِقَاءٍ مُغَطًّى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنَ الْحُمَّى، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ دَعَوْتَ اللهَ فَكَشَفَ عَنْكَ، قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ).
ممّا يدلّ على أنّ الابتلاءات والاختبارات تمثّل وسيلةً لتمييز الصّادقين، ورفع درجاتهم.
والنّجاح في الامتحانات لا يُعدّ معيارًا وحيدًا للتّفوّق، إذ إنّ التّفوّق الحقيقيّ يرتبط بالإخلاص في النّيّة، وحُسن العمل، والتّقوى، ففي الحديث عن عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).
مما يُبرز أنّ النّجاح الأخرويّ هو الأهمّ، وأنّ النّيّة الصّالحة تُعدّ أساسًا لكلّ عملٍ، والإخفاق في الامتحانات لا يُعتبر نهاية الطّريق، بل يمثّل فرصةً لإعادة التّقييم، تأمّل قول الحقّ سبحانه {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
ممّا يشير إلى أنّ الفشل قد يحمل في طيّاته خيرًا غير ظاهرٍ، ويُسهم في بناء الشّخصيّة.
هذا، وتُعد الأسرة عنصرًا أساسيًا في دعم الأبناء بعد صدور النّتائج، فالرّحمة والرّفق مطلوبان، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ).
وعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَا عَائِشَةُ؛ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ).
2- النتيجة الأخطر
قال تعالى متحدّثًا عن الاختبار الأعظم والفتنة الكبرى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذّاريات: 10-14].
في سياق الحديث عن الامتحانات ونتائجها، يُشار إلى أن أعظم امتحان يواجهه الإنسان هو امتحان الآخرة، حيث تكون نتيجته إمّا الجنّة أو النّار، والنّار -قد علمتم- أشدّ العقوبات الّتي أعدّها الله لمَن أعرض عن سبيله، ففي الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ) قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا).
مما يُبرز الفرق الهائل بين حرّ الدّنيا وحرّ الآخرة، وفي الحديث: عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ).
هذا الحديث يُظهر أن شدّة الحرّ في الدّنيا ما هي إلّا أثرٌ مِن آثار نار جهنّم، وهو ما يدعو إلى التّفكّر في عذابها، والنّجاة منها.
ما يُشاهَد في الدّنيا مِن مظاهر شدّةٍ؛ كالأمراض، والزّلازل، والفيضانات، والحرّ الشّديد، لا يُعد مجرّد ظواهر طبيعيّةٍ، بل يحمل في طيّاته رسائل تذكيرٍ وتنبيهٍ، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصّلت: 53].
ممّا يدلّ على أنّه في الكون آياتٌ تدعو إلى التّفكّر والاعتبار، ويُعدّ الحرّ نموذجًا حيًّا لما يمكن أن يعيشه الإنسان مِن ألمٍ، وهو في ذاته تذكيرٌ بحرّ جهنّم، الّتي وصفها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأنّها أشدّ مِن نار الدّنيا بسبعين ضعفًا، فإذا اشتدّ الحرّ، وتصبّب العرق، وضاقت الأنفاس، فإنّ النّفس تتذكّر أن هذا مجرد جزءٍ يسيرٍ مِن عذاب الآخرة، ممّا يدفعها إلى التّوبة، والاستقامة، والرّجوع إلى الله، وفي سوريّا وغيرها مِن البلاد الّتي تعاني مِن موجات حرٍّ قاسيةٍ، يجد الإنسان فرصةً للتّأمّل، لا في الطّقس فقط، بل في المصير، وفي حال مَن لم يُزحزح عن النّار، وفي أهمّيّة النّجاة الأخرويّة الّتي لا تُقارن بأيّ راحةٍ دنيويّةٍ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
خاتمةٌ:
الشّكر عند النّجاح، والصّبر عند الإخفاق، يمثّلان سمتين أصليّتين في شخصيّة المسلم، قال الحقّ سبحانه في الشّكر والكفران: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
وقال سبحانه في الصّبر: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).
مما يُبرز أنّ المؤمن يظلّ في خيرٍ، سواءً في حال النّعمة أو البلاء، ما دام قلبه متّصلًا بالله، هذا ما دام رسوب الطّالب بأسبابٍ خارجةٍ عن إرادته، أمّا إذا كان رسوبه بسبب كسله فعليه أن ينقلب إلى نفسه فيخلّصها مِن كسلها، ثمّ يعيد الكَرّة، مستعينًا بالحقّ سبحانه.
حياتنا هذه سلسلة اختباراتٍ، ونتيجتها الأخطر في الآخرة، حيث لا مجال لإعادة الامتحان إن فشلنا فيه {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100].
ومَن فشل في ذلك الامتحان فلن يُحرم مِن استكمال دراسته، ولن يُحرم مِن دخول الجامعات، بل سيحرم مِن دخول الجنّة، فما أعظمه مِن حرمانٍ! وسيصير إلى نارٍ رأينا مِن قريبٍ نفَسًا مِن أنفاسها فلم نستطع عليه صبرًا، ومَن شاء النّجاح والفلاح في ذلك الامتحان فليتجهّز مِن الآن بالعمل الصّالح، وِمن العمل الصّالح مجاهدة ومدافعة المشاريع الانفصالية الّتي يغذّيها العدوّ الّذي يمارس أقسى أنواع الإجرام بأهلنا في غزّة.