الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
الاعمال القلبية القران الكريم
الاثنين 5 ربيع الأول 1435 هـ الموافق 6 يناير 2014 م
عدد الزيارات : 6421

الاعمال القلبية القران الكريم

 

 

المقدمة

الحمد لله  رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد

ان القران العظيم اعتني بالقلب عناية تام  واهتم باعماله اهتمام كبير حتى انه لم يغادر شيء حتى اتي عليه عناية بالانسان الكامل عناية تامة لان القلب كل الانسان تلك المضغة التي اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مفهوم الأعمال القلبية :

هي تلك الأعمال التي يكونمحلها القلب، وترتبط به، وأعظمها الإيمان بالله عز وجل ، ومنها : المحبةالتي تقع في قلب العبد لربه ومعبوده، وتعظيم الله ورسوله وتعزير الرسولوتوقيره، وإخلاص الدين لله ، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل، والصبرواليقين، والإخبات والإشفاق والخشوع، وما إلى ذلك. إنَّ أعمال القلوبكثيرة، والقاعدة في ذلك: كل ما نسب إلى القلوب أو إلى الصدور في كتاب اللهسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهي من أعمال القلوب، وهي أحياناً لا تنسب إلىالقلب أو إلى الصدر ولكنه محلُ ذلك كالتوكل مثلاً فهو من أعظم أعمال القلب . منزلة القلب: القلب ملك الجوارح، وهو كما يقول العز بن عبد السلام : مبدأالتكاليف كلها وهو مصدرها، وصلاح الأجساد موقوف على صلاحه وفساد الأجسادموقوف على فساده . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: [... أَلا وَإِنَّفِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَافَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ] رواه البخاريومسلم. أي: أنها إذا صلحت بالإيمان، ومعرفة حقائقه، ومحاسن الأحوال؛ فإنالجسد يصلح بطاعة ربه ومولاه، وبالإذعان له. وإذا فسد هذا القلب بالشركوالكفر، ومساوئ الأحوال، والأعمال القلبية السيئة من الكبر والعجب والرياءوما إلى ذلك؛ فإن ذلك يفسد الجسد بالفسوق والعصيان والتمرد على طاعة اللهعز وجل، وتسخير الجوارح وتعبيدها لغير الله تبارك وتعالى، ومع التعالي علىالخلق، والترفع عنهم وظلمهم، والإفساد في الأرض، كل ذلك يكون نتيجة طبيعيةلفساد هذا القلب وتبدل أحواله .. ويقول ابن رجب رحمه الله في شرح هذاالحديث: [... أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً] يقول:' إن فيه إشارةإلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات، واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله وخشية الله وخشيته الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات. وإن كان القلب فاسداً قد استولى عليه اتباع هواه وطلب ما يحبه ولو كرههالله؛ فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعث إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسباتباع الهوى هوى القلب '

انقسام القلوب إلىصحيح وسقيم وميت :

 

 قال ابن القيم :لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها انقسمبحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة

فالقلب الصحيح

هو القلب السليم الذي لاينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به كما قال تعالى ( يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ، والسليم هو السالم وجاء على هذا المثال لأنه للصفات كالطويل والقصير والظريف ، فالسليم القلب الذي قدصارت السلامة صفة ثابتة له كالعليم والقدير وأيضا فإنه ضد المريض والسقيموالعليل .

والقلب الثاني : وهو القلب الميت الذي لاحياة به، فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه بل هو واقف معشهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه ، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوتهوحظه رضى ربه أم سخط فهو متعبد لغير الله حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطاوتعظيما وذلا ، إن أحب أحب لهواه وإن أبغض أبغض لهواه ، وإن أعطى أعطىلهواه وإن منع منع لهواه، فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه ، فالهوىإمامه ، والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ، فهو بالفكر فيتحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور ، ينادى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد ، ولا يستجيب للناصح ويتبع كل شيطانمريد ، الدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه.

 

 

والقلبالثالث :

قلب له حياة وبه علة ، فله مادتان تمده هذه مرة وهذه أخرى ، وهولما غلب عليه منهما ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص لهوالتوكل عليه ما هو مادة حياته ، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب وحب العلو والفساد في الأرض بالرياسة ما هومادة هلاكه وعطبه ، وهو ممتحن بين داعبيين داع يدعوه إلى الله ورسولهوالدار الآخرة ، وداع يدعوه إلى العاجلة وهو إنما يجيب أقربهما منه باباوأدناهما إليه جوارا ،

أهمية الأعمالالقلبية، والمفاضلة بينها وبين أعمال الجوارح :

: ( ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علمارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب ، وأنها لا تنفع بدونها وأن أعمالالقلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح ، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلابما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما ، وهل يمكن أحدالدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه ، وعبودية القلب أعظم منعبودية الجوارح وأكثر وأدوم ، فهي واجبة في كل وقت ، ولهذا كان الإيمانواجب القلب على الدوام ، والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان ، فمركبالإيمان القلب ومركب الإسلام الجوارح اهـ. ويقول: ( وأما النية فبمنزلةالروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح كمواتها، وكذلكالعمل إذا لم تصحبه النية، فحركة عابث، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفةأحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عنها ) . أما أعمالالجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب إذاً: الإيمان هو: إيمان القلب،والتقوى -أيضاً- هي: تقوى القلب، كما قال الله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْشَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] ويقولصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَىهَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } رواه مسلم ، وأحمد ، فمحل التقوى هو القلب، والتقوى تشمل كل أعمال الخير والبر والصلاح، ولاسيما إذا أفردت . فعبادة القلب لله بالتوحيد والإخلاصوالإخبات والذل والانقياد وغير ذلك هي القضية الكبرى التي قامت عليهاالسموات والأرض وإذا تأملنا في شروط لا إله إلا الله التي ذكرها أهل العلموهي : العلم واليقين والإخلاص والصدق والمحبة والانقياد والقبول . فالعلم ، واليقين متعلق بالمعرفة ، لكن بقية الشروط متعلقة بالقلب والعمل.فالإخلاصوالصدق والمحبة والانقياد والقبول ، تتعلق بعبودية القلب ، وتحقيق هذهالشروط هو تحقيق لعبودية القلب . وروحهذه الكلمة وسرها إفراد الرب حبل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالىجده ولا إله غيره بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك منالتوكل والانابه والرغبة والرهبة ، فلا يحب سواه ، وكل ما يحب غيره فإنماهو تبعا لمحبته ، وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ، ولا يخاف سواه ولا يرجوسواه ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يرغب إلا إليه ، ولا يرهب إلا منه ، ولايحلف إلا باسمه ولا ينذر إلا له ، ولا يتاب إلا اليه ، ولا يطاع إلا أمره ، ولا يتحسب إلا به ، ولا يستعان في الشدائد إلا به ، ولا يلتجأ إلا إليه ،ولا يسجد إلا له ، ولا يذبح إلا له وباسمه ، ويجتمع ذلك في حرف واحد وهو أن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة ، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إلهإلا الله اهـ.

التلازم بين الظاهر والباطن :

 فالإيمان الذي في القلب منالتصديق والحب وغير ذلك من أفعال القلب وأعماله يستلزم الأمور الظاهرة منالأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " إنه متى ثبت الإيمان في القلب والتصديق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة ، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداهاالله على صفحات وجهه وفلتات لسانه . فإذا ثبت التصديق في القلب ، لم يتخلفالعمل بمقتضاه ألبته ، فلا تستقر معرفة تامة ومحبة صحيحة، ولا يكون لها أثر في الظاهر . ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه ، فإن انتفاءاللازم يقتضي انتفاء الملزوم ،

 كقوله تعالى: )وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْأَوْلِيَاءَ([وقوله: )لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَبِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَوَرَسُولَهُ([فالظاهر والباطن متلازمان ، لا يكونالظاهر مستقيماً إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن ، فلا بدّ أنيستقيم الظاهر ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إلا وإن في الجسدمضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، إلا وهي القلب " . وقال أيضاً – رحمه الله - : " فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة ، بل يلزم من وجود هذا كاملاً وجود هذا كاملاً ، كما يلزم من نقصِ هذا نقص هذا ؛ إذ تقدير إيمان تام في القلب لا ظاهر من قول وعمل ، كتقدير موجب تام بلا موجَبه ، وعلة تامة بلامعلولها ، وهذا ممتنع " .فصلاح الباطن يستلزم صلاح الظاهر ، وفساد الباطنيستلزم فساد الظاهر . قال ابن القيم : الإيمان له ظاهر وباطن ، وظاهره قولاللسان وعمل الجوارح ، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته ، فلا ينفع ظاهر لا باطن له ، وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية ، ولا يجزىء باطنلا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك ، فتخلف العمل ظاهرا مععدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان ، ونقصه دليل نقصه ،وقوته دليل قوته فالإيمان قلب الإسلام ولبه ، واليقين قلب الإيمان ولبه ،وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول وكل إيمان لا يبعث علىالعمل فمدخول اهـ. فبيان أهمية أعمال القلوب، وأنها أشرف من أعمال الجوارحلا يعنى أن نهمل أعمال الجوارح، وقد ذكر العلماء أحوال الناس في ذلك ،

 فهم على ثلاث أحوال :

• منهم: مناشتغل بالأمور القلبية، وإصلاح القلب، ومراقبة الخطرات، وَتَرَكَ الأعمالالظاهرة وأهملها .

 • وطائفة: اشتغلوا بالأعمال الظاهرة: كالصيام، والصلاة،وما إلى ذلك، وتركوا إصلاح القلوب؛ فعششت الأحقاد في قلوبهم، والتنافس علىالرئاسات، وقست قلوبهم، وصار فيها من تعظيم المخلوقين، أو الخوف منهم ما لا يقدر قدره .

•الطائفة الثالثة-وهي التوسط-: أن يعتني بالأمور القلبية، وأن تُعْطَى حقها، وأن يعتنى بأعمال الجوارح، فهذا سبيل المرسلين عليهم الصلاة والسلام، كانوا يعنون بأمور القلب كما يعنون بأمور الجوارح . فلذلك نقول: إن التربية الصحيحة هي التي تعنى بقلب الإنسان كما تعنى بجوارحه . وإنماتظهر الاستعانة والتوكل والحب والخوف والإخلاص لله سبحانه وتعالى بأثارهاعلى جوارحك وعبادتك وطاعتك لله سبحانه وتعالى فتأكل الحلال وتدع الحرام ،تتمثل الأوامر وتجتنب النواهي ، تراقب الله في جميع أحوالك وأعمالك أهمالأمور التي تعين على تحقيق عبادة القلب لله سبحانه وتعالى :

 أولاً : معرفة الله تعالى بأنه وحده المتفرد بالخلق والتدبير ، وأن ما شاء كان وما لميشأ لم يكن ، وأن الخلق جميعاً مقهورون تحت قبضته ، وأن القلوب بين إصبعينمن أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء . وعلى ذلك ، فإن اليقين بأن النفع والضر ، والعطاء والمنع ، والهدى والضلالة ، والسعادة والشقاوة ... كل ذلك بيدالله وحده سبحانه ، لا بيد غيره ، يدفع الإنسان إلى عبادة الله وحدهوالإخلاص له ، وإلى قطع العلائق بالخلق لأنهم عاجزون مقهورون . وهذا بابعظيم ومدخل كريم لمن تأمله . إذ كيف يتعلق القلب بغير الله تعالى وهو ضعيفمثله ؟ قال تعالى موبخاً عباد الأصنام : ) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْدُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ..(. تعبدون المسيح أو العزير أو الجن أو الصالحين أو غيرهم ، وهم عبيد مربوبون لله أمثالكم ؟ فهؤلاء عبادأمثالكم لا يستحقون شيئاً من العبادة ، وإنما المستحق للعبادة خالق هؤلاءجميعهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ، وهو الله تعالى وحده لا شريك له . قالابن القيم : التعلق بغير الله تبارك وتعالى أعظم مفسدات القلب على الإطلاقفليس عليه أضر من ذلك ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه فإنه إذا تعلقبغير الله وكله الله إلى ما تعلق به وخذله من جهة ما تعلق به وفاته تحصيلمقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه فلا على نصيبه منالله حصل ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل قال الله تعالى ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) وقال تعالى ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ، لا يستطيعون نصرهم وهملهم جند محضرون ) فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله ، فإن ما فاته منمصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به وهو معرض للزوالوالفوات ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت ، وبالجملة فأساس الشرك وقاعدته التي بنى عليها التعلق بغيرالله ، ولصاحبه الذم والخذلان

كما قال تعالى ( لا تجعل مع الله إلها آخرفتقعد مذموما مخذولا ) الإسراء مذموما لا حامد لك ، مخذولا لا ناصر لك ، إذ قد يكون بعض الناس مقهورا محمودا كالذي قهر بباطل ، وقد يكون مذمومامنصورا كالذي قهر وتسلط عليه بباطل، وقد يكون محمودا منصورا كالذي تمكنوملك بحق ، والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام الأربعة لا محمودولا منصور اهـ. ويشمل العلم بالله عز وجل: علمه بأنه المألوه المعبود وحدهلا شريك له، وأنه لا يستحق العبادة أحد سواه، فلا يلتفت قلبه إلى أحد منالخلق، ولا يتعلق بهم، وهو يعلم أيضاً ربوبية الله عز وجل للكائنات، وأنأَزِمَّة الأمور بيده، وأنه مدبر هذا الكون ومُصَرِّفه، وأن الخلق عبيدهيربهم ويتصرف بهم، إذا علم العبد ذلك اطمأن إلى رزقه؛ لأن الأرزاق بيدالله، فهذا من معاني ربوبية الله عز وجل، وإذا علم العبد ذلك اطمأن إلىأجله؛ لأن الآجال بيد الله عز وجل، وإذا علم العبد ربوبية الله عز وجل؛اطمأن إلى أقداره، وإلى عطاءه ومنعه، فلا يعترض على الله، ولا يقترح،ويتقدم بين يدي الله عز وجل، ولا يسيء الأدب معه.

. والأعمال القلبية كثيرة جداً منها:

 أصول الأعمال القلبية أصلان :

المحبة والصدقفالإنسان إذا اجتمع في قلبهالصدق مع الله ، والصدق في الإيمان بالله إلى درجة اليقين والرضا -لأنالرضا لازم مع الصدق- ووصلت به محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلىأنه لا يقدم على مرضاة الله سبحانه وتعالى أي شيء، فهو قد استكمل شعبالإيمان؛ لأنه جمع أصول الأعمال، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهالله وابن القيم رحمه الله في أكثر من موضع. فأعمال القلوب أساسها وأعظمهاعملان، لأن الأقوال والأعمال جميعاً ترجع إليهما، وهما: المحبة والصدق؛ فمن لم يكن محباً لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يتقبل الله منهشيئاً؛ فلو أنفق الإنسان الآلاف والملايين لكن حاله كحال المنافقين: ( وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ) وقد ذكر قبل ذلك أننفقاتهم لا تقبل منهم، قال تعالى: ( قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًالَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَامَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْكَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْكُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ )

فعبادة القلب لا يقصد بها عمل القلب وحركته المجردة من أعمال الجوارحالمبنية على طاعة الله تبارك وتعالى ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن القيم : أصل أعمال القلوب كلها الصدق ، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانةوغيرها أصلها الكذب ، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق ، وكل عملفاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب ، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن ويقعدهويثبطه عن مصالحه ومنافعه ، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياهوآخرته ، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدهاومضارهما بمثل الكذب ،

 قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوامع الصادقين )

وقال تعالى ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم )

وقال ( فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم )

وقال ( وجاء المعذرون من الأعرابليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ) اهـ.

 

 

 

الاستعانة :

قال تعالى: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(وذلك لأن الإنسان عندما يعبد الله ويخضع قلبه له وتخضع له ، جوارحه ،فهو محتاج إلى من يعينه على ذلك . والمعنى : أستعين بك يا رب في كل أموري ، وعلى رأسها العبادة ، فالقيام للوضوء ، والطهارة ، والصلاة ، والصيام ،والحج ...كل ذلك يحتاج فيه إلى معونة الله تعالى . وأعظم معونة أتتك منالله تعالى أن هدى قلبك فخضع لله الواحد القهار . فصرت تقوم إلى الصلاةمراقباً لله وحده ولا تراقب أحداً من الخلق ، وكذا في بقية أمور العبادة ،وهو مقتضى هذه الآية العظيمة الجامعة: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَنَسْتَعِينُ(.

التوكل :

التوكل في اللغة: هو الاعتماد والتفويض وتوكيلالأمر إلى الشخص أي تفويضه به والاعتماد عليه فيه ووكل فلان فلاناً إذااستكفاه واعتمد عليه وفوض الأمر إليه ووثق به ، والتوكل إظهار العجزوالاعتماد على الغير، وأصله من الوكول ويقال وكلت أمري إلى فلان أي اعتمدتعليه . والتوكل في الاصطلاح الشرعي : صدق الاعتماد على الله عزوجل في جلبالمنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب التي أمر الله بها . التوكل مقام جليلعظيم الأثر، بل ومن أعظم واجبات الإيمان وأفضل الأعمال والعبادات المقربةإلى الرحمن، وأعلى مقامات توحيد الله سبحانه وتعالى ، فإن الأمور كلها لاتحصل إلا بالتوكل على الله والاستعانة به قال ابن تيمية :

 التوكل على اللهواجب من أعظم الواجبات كما أن الإخلاص لله واجب ، وحب الله ورسوله واجب ،وقد أمر الله بالتوكل في غير آية أعظم مما أمر بالوضوء والغسل من الجنابةونهى عن التوكل على غير الله اهـ.

التوكل على الله صفة علية من صفات عبادالرحمن وشعار يتميزون به عمن سواهم وعلامة بارزة لأهل الإيمان كما قالتعالى: (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهمآياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)). قال ابن كثير : أي لا يرجونسواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ولا يطلبون الحوائج إلامنه ولا يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنهالمتصرف في الملك وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، ولهذاقال سعيد بن جبير التوكل على الله جماع الإيمان اهـ. وقد أمر الله بالتوكلوحث على ذلك في مواضع كثيرة منها : قوله تعالى : (( وعلى الله فليتوكلالمؤمنون))

وقوله تعالى : (( فتوكل على الله إنك على الحق المبين)).

وقولهتعالى : ((فاعبده وتوكل عليه)). وقوله تعالى : (( وتوكل على الحي الذي لايموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً)). وهومن أعظم أعمال القلب؛لأن التوكل يدخل في الاستعانة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورةالفاتحة التي هي أم القرآن والسبع المثاني يقول: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، وكل الدين داخل في هذه الآية وهذه، كما قالالله تعالى:( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) [الملك:29]، فـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ هي آمَنَّا بِهِ ، وَإِيَّاكَنَسْتَعِينُ هي وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَاِ. والقلب والعبد إذا توكل على الله سبحانه وتعالى وحده انقطع قلبه عن التعلق بالأسباب كلها وإذا انقطع العبدعن التعلق بغير الله من الأسباب والبشر وانصرف بكليته إلى ربه إلى التوكلعليه وحده ، فهنا يكون تحقيق العبد العبودية لله سبحانه وتعالى خالصة، هذانبي الله إبراهيم - عليه السلام – لما دعا قومه إلى الله سبحانه وتعالى ،وإلى عبادته وحده ومزايلة كل ما عُبد من دونه ، كفروا بالله وعصوه ثمأوقدوا له ناراً عظيمة ، وأردوا أن يقذفوه بها ، فلما وضع على ما يشبهالمنجنيق ، وهي آلة تقذف من بعيد قال إبراهيم عبارة عظيمة ينبغي أن يقولهاكل من أحاطت به الأخطار وأحدقت ، وكل من أصابه خوف من أي مصدر ،قال إبراهيم – عليه السلام)حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(. وبهذاالتوكل والتسليم المطلق لله وحده جاء الفرج من الله وجاء الأمر من السماءمن خالق إبراهيم ، ومن خالق قوم إبراهيم ،

ومن خالق النار: )قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ(. ونجّاه الله سبحانه وتعالى من النار ، وجاء قوم إبراهيم يبحثون عنه وسط الركام ظناً منهم أنهم سيجدونه محترقاً بعد خمود النار فإذا بهم يجدونه جالساً سالماً من الأذىخاضعاً لربه الذي توكل عليه فكفاه وحماه ونجاه . ولما وقعت معركة أحد وجرىعلى المسلمين فيها ما جرى ، لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو سائرفي غزوة حمراء الأسد بعد معركة أحد - أحد المشركين وأخبره أن قريشاً تعد له العدة ويجمعون له الجموع ليحاربوه ويقضوا عليه وعلى المسلمين معه فقالرسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبنا الله ونعم الوكيل " فنجاه الله وفر المشركون راجعين إلى مكة ، وانقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بنعمة الله لم يمسسهم سوء ، قال تعالى: )الَّذِينَ قَالَ لَهُمُالنَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْإِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌوَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) (. فهذا هو أثر التوكل على الله . فهناك أمران: أن يكون الله تبارك وتعالىوحده هو المعبود والغاية وهو المراد الذي نسعى إليه, وأن يكون هو المستعانبه وحده على تحقيق هذه الغاية, والمتوكل عليه وحده في أمورنا وحدها . لابدفي التوكل على الله من فعل الأسباب والأخذ بها : و التوكل لا ينقطع ولايخلو من اتخاذ الأسباب، فهو ثقة بالله واعتماد عليه مع الأخذ بالأسباب، فهو يلتئم هذين الأصلين . قال صلى الله عليه وسلم : (( لو أنكم توكلتم علىالله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) رواهالترمذي فأفئدة الطير مليئة بالتوكل على الله ولو أنناتوكلنا على الله كما يتوكل الطير لرزقنا مثل ما يرزق الطير،. والله عزوجل علم عباده الأخذ بالأسباب فقال: (هو الذي جعل لكمالأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها ) وقال: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فيالأرض وابتغوا من فضل الله)..، فالذي يقول لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقيجاهل بشرع الله ، وجاهل بقدر الله ..، الله قال في سورة المزمل ( وآخرونيضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)..يضربون : يسافرون و يذهبون ويتاجرون ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتاجرون في البر والبحر..ويعملون فينخيلهم.

الإخلاص:

 كلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء والتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. والإخلاص في الشرع : أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه ،فالإخلاص هو توحيد الإرادة والقصد، أن تفرد الله عز وجل بقصدك وإرادتك فلاتلتفت إلى شيء مع الله تبارك وتعالى .

 قال تعالى: ((وما أمروا إلا ليعبدواالله مخلصين له الدين حنفاء)) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ((قل اللهأعبد مخلصاً له ديني)). (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربالعالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)). وقال تعالى: ((الذيخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)) أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبهقال الفضيل بن عياض رحمه الله - تعليقاً على هذه الآية في بيان معنى: ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) قال:' أخلصه وأصوبه' قالوا: يا أبا علي ماأخلصه وأصوبه ؟ قال:' إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل،وإذا كان صواباً ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة، ثم قرأ: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْبِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) [سورة الكهف] '

أهمية الإخلاص:

1-الإخلاصهو روح العمل: فعمل لا إخلاص فيه كجسد لا روح فيه، فهو بمنزلة الروح منالجسد . 2-اجتماع القلب في الدنيا وزوال الهم لا يكون إلا به : (( من كانتالآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة،ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته منالدنيا إلا ما قدر عليه )). 3-مصدر رزق عظيم للأجر وكسب الحسنات ((إنك لنتنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليه حتى ما تجعل في فم امرأتك)) {رواه البخاري}. 4-ينجي من العذاب العظيم يوم الدين فقد أخبرنا صلى اللهعليه وسلم عن أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة وهم متصدق أنفقليقال جواد، وقاريء تعلم العلم وعلمه ليقال عالم، و مجاهد قاتل ليقالجريء... قال ابن القيم رحمه الله:' ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لهاديوانان: لِمَ وكَيْفَ ؟؟ أي: لم فعلت، وكيف فعلت ؟ فالأول: سؤال عن علةالفعل، وباعثه وداعيه: هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا من حب المدح من الناس، أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروهعاجل ؟! أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه ؟! ومحل هذا السؤال أنه: هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك، أم فعلته لحظك وهواك ؟ والثاني:سؤال عنمتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك التعبد: أي هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي، أم كان عملاً لم أشرعه ولم أرضه؟ فالأول : سؤالعن الإخلاص، والثاني : عن المتابعة، فإن الله سبحانه لا يقبل عملاً إلابهما، وطريق التخلص من السؤال الأول : بتجريد الإخلاص، وطريق التخلص منالسؤال الثاني : بتحقيق المتابعة وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص،وهوى يعارض الاتباع، فهذه حقيقة سلامة القلب التي ضمنت له النجاة والسعادةاهـ. الإخلاص هو أساس أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح تبع ومكمل له، الإخلاص يعظم العمل الصغير حتى يصبح كالجبل ، كما أن الرياء يحقر العمل الكبير حتى لا يزن عند الله هباء

(( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءمنثوراً)). قال ابن المبارك:

(( رب عمل صغير تكثره النية ورب عمل كبيرتصغره النية)).

 الإخلاص يحول العمل- ولو كان من المباحات والعادات- إلىعبادة وقربة، فإذا قام العبد بشيء من الأمور المباحة: كالنوم، أو الأكل، أو الشرب، أو المشي، أو غير ذلك، يريد به التقرب إلى الله عز وجل كأن يقويبدنه ليجاهد في سبيل الله، وكأن ينام في النهار من أجل أن يقوم الليل، وكأن يأكل ليتقوى على الطاعة، فكل ذلك يكون عبادة في حقه؛ ولهذا كان السلف كماقال زبيد اليامي رحمه الله: 'إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى فيالطعام والشراب' الإخلاص عمل عظيم، وبه يكون الفارق بين المؤمنينوالمنافقين، لأنَّ المنافقين حتى وهم يشهدون شهادة الحق، فإنهم يشهدون وهمكاذبون، فإذا أردنا أن نفرق بين المؤمنين والمنافقين فالصدق والإخلاص هماأساس ذلك, وهما من أعظم أعمال القلوب إضافة إلى المحبة واليقين، قال تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَحُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُالْقَيِّمَة ) [البينة:5] نعم هكذا أمروا، فلو عبدوا الله سُبْحَانَهُوَتَعَالَى من غير إخلاص, لما قبل منهم ولما نفعهم ذلك في شيء، لا سيما إذا فقد الإخلاص كله, أما إذا كان الإخلاص ناقصاً أي غير مفقود فشابته شوائب؛فهذا له حكم أهل الوعيد والعصاة.

اليقين :

معنى اليقين : اليقين ضد الريبوالشك، فهو يتضمن سكون الفهم مع ثبات الحكم بحيث لا يحصل لصاحبه ترددٌوتشككٌ وريبة وقلقّ في داخله، وإنما يكون ساكناً إلى هذا الاعتقاد، أو إلىمبدئه، أو إلى عقيدته ودينه، والأمور التي تيقنها اليقين.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد،وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُالقوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه، وإذا تزوَّج الصبر باليقينوُلد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَايُوقِنُونَ) [السجدة:24]. وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآياتوالبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌلِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20]. وخصَّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بينالعالَمين، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَاأُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَىهُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:4، 5]. وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وَإِذَاقِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْمَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُبِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثـية:32].

 اليقين:روح أعمال القلوب التي هي روحأعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقية، وهو قُطب هذا الشأن الذي عليهمداره".اهـ. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنهكلُّ ريب وشكٍّ وسُخْطٍ، وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبَّةً لله وخوفًا منه،ورضًا به وشكرًا له، وتوكُّلاً عليه، وإنابةً إليه؛ فهو مادَّة جميعالمقامات والحامل لها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذهالأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".[أخرجه أحمد في الزهد،وقال صلى الله عليه وسلم: "نجا أول هذه الأمة باليقينوالزهد، ويهلِك آخِرُها بالبخل والأمل". [رواه ابن أبي الدنيا،].

الإخبات :

 الخبت في اللغة: هو الأرض المنبسطة،

والإخبات: أخبتإذا طأطأ حتى يساوى بالأرض، ففي هذا دليل على كمال الانقياد والإذعان ( فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ )[الحج:54] فالإخبات هو عدم الاعتراض, فلوارتفعت لكان فيها نوع من الاستكبار. ولهذا يقولون في قلوب الكفار: إنهاقلوب متكبرة جبارة, وكثيراً ما يصفهم الله بوصف الاستكبار؛ لأنهم يستكبرونعن عبادة الله وطاعته والانقياد لأمره، فالاستكبار ضد الإخبات. والإخبات في الشرع هو: الخضوع الكامل والمطلق، فكأنه التصق بالأرض، فليس لديه أياعتراض على ما يأتي من عند الله تبارك وتعالى، فهو كما قال الله عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَبَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَوَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[النساء:65]

والتسليم هو: حالة الإحسان التيذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل العظيمالمشهور،

وهو: {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك } لأنهكما قال ابن القيم رحمه الله تحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ في مقام الإسلام. فمن لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم علىقلبه ونفسه, ويجعل هواه تبعاً لما جاء به في أصل التحكيم؛ فإنه ليس بمؤمنولا بمسلم, إذ التحكيم في مقام الإسلام هو كما قال: ( حَتَّى يُحَكِّمُوكَفِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاًمِمَّا قَضَيْتَ )[النساء: 65]، وانتفاء الحرج يكون في مقام الإيمان،فالإيمان درجة أعلى من درجة الإسلام، فالدرجة هذه أنه حكم وانتفى الحرج منقلبه فلا حرج فيما يحكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمقصود هو: ما جاء به عامة، أي: ما جاءنا من حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ، وهديه وسنته الظاهر منها والباطن، فنجعل كأنّ رسول الله صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنفسه قائم بين أظهرنا, يقول: اعملوا كذا ولاتعملوا كذا. فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاب بجسده, وأمادينه وسنته وهديه فهي بين أيدينا وحجته قائمة علينا, فلا بد من انتفاءالحرج، هذا في مقام الإيمان. التسليم : قال تعالى: ( وَيُسَلِّمُواتَسْلِيماً )[النساء:65] وهذا التسليم هو الذي لا يخطر على البال معه أدنىاعتراض كما كان الصديق رضي الله عنه. ففي صلح الحديبية كان الصديق رضي الله عنه هو الوحيد من بين الصحابة جميعاً الذي سلم في هذا ولم يعترض، أما ثاني رجل في هذه الأمة في الإيمان والدين، وهو عمر رضي الله عنه فقد أبىواعترض، وقال: {يا رسول الله! ألسنا بالمؤمنين، وأليسوا بالكافرين، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟! } فكأن الشروط مجحفة وما سلمتسليماً، لكن ليس في ذلك رد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ، أو تقديم بين يدي الله ورسوله، وإنما ذلك غيرة منه على دينالله، وحرصاً منه على علو الدين وظهوره وتمكينه وانتصاره على أعدائه, فيرىأن هذه الشروط مجحفة للمسلمين -كما هو ظاهر الحال- فما سلم تسليماً بحيث لا يكون لديه أي ممانعة أو مدافعة أو منازعة، وإذا علمنا ذلك علمنا أهميةأعمال القلوب، وأن التزكية تحتاج إلى صبر ومصابرة ومثابرة ومجاهدة ومحاضنتربوية، وعمل ذاتي من المربي أو المزكي بنفسه ومن المجتمع أو الأمة، حتىتصلح هذه القلوب وتصلح هذه الحالة (حالة الإحسان). ولهذا يقول عمررضي الله عنه: [ فأعتقت وتصدقت لذلك ]، أي: أعتق وتصدق من أجل موقفه في ذلك اليوم, لأنه أنزله عن دائرة التسليم المطلق الذي فعله الصديق رضي الله عنه، وكانالصحابة مع عمر لكن لم يستطيعوا وليس فيهم جرأة عمر رضي الله عنه، فلمارأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحلق ويتحلل؛ عندها أذعنوا عملياً لمشورة أم المؤمنين رضي الله عنها.

الإنابة :

 قال تعالى: ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ )[الزمر:54] والإنابةمعناها قريب من معنى الإخبات، وأناب في اللغة معناه: عاد ورجع، فالإنابة: أن يعود الإنسان ويرجع إلى الله رجوعاً كلياً متجرداً خالصاً لله تباركوتعالى، فيرجع عن كل ما لديه من أهواء، وشهوات، ودوافع، ونوازع ويجعل همههو رضا الله تبارك وتعالى. الخشية : الخشية أمرها عظيم، وقد مدح الله وأثنى على الذين يخشونه، كما قال تعالى( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْعِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28] ولا خير في علم لا يؤدي إلى خشية اللهتبارك وتعالى. الوجل : كما في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَاآتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ( [المؤمنون:60] وفي قوله تعالى: ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْقُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) [الأنفال:2].

الخشوع : قال تعالى: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواأَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )[الحديد:16] والخشوع هذا بمعنى الخشية أو قريب منه. فأعمال القلب تتقارب؛لأنها أعمال باطنة، فنجد -مثلاً- الوجل، والخوف، والخشية، والخشوع؛ متقاربة المعنى، ولكل واحد منها معنى, لكنها متقاربة في ذلك وكلها تدل في النهايةعلى كون هذا القلب خاضعاً وذليلاً للعزيز الجبار المتكبر الذي خلقه فسواهوعدله، وافترض عليه ما افترض، وشرع له ما شرع، وتعبده بما تعبد. فإذاًالوجل والخوف والخشية والخشوع هي جملة من أعمال القلب لها دلائل، ويقابلهاالرجاء والمحبة والرضا والفرح, فتتوازن النفس الإنسانية بين هذه الأربعةوتلك الأربعة, فيكون الإنسان حقاً قد جمع كل أعمال القلوب وأنواعاً منالعبوديات التي يحبها الله تبارك وتعالى والتي لا يريد أن يقع أو يحصلبعضها ويترك ويهمل البعض الآخر. الأمور التي يتم بها صلاح القلب: من أعظمالأمور التي تصلح القلب:

- المجاهدة: يحتاج الإنسان إلى مجاهدة دائمةومستمرة وإلى مكابدة، يقول ابن المنكدر رحمه الله وهو من علماءالتابعين:'كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي' لابد أيضا أن نربي القلوب على الإخبات والخوف والمحبة والخشية والمجاهدة والصبر واليقين وما إلى ذلك من المعاني . - ومما يصلح القلب: كثرة ذكر الموت وزيارة القبور ورؤيةالمحتضرين: فإنها اللحظات التي يخرج الإنسان فيها من الدنيا ويفارق سائرالشهوات واللذات، ويفارق الأهل والمال الذي أتعب نفسه في جمعه في لحظةينكسر فيها الجبارون، ويخضع فيها الكبراء، ولا يحصل فيها للعبد تعلقبالدنيا ولهذا يكثر من الناس التصدق في تلك الأحوال فلربما كتب الواحد منهم في حال صحته وعافيته وصية يوصي بها أن إذا مات وانقطعت علائقه من الدنياأن يخرج من ماله كذا وكذا. فذكر الموت يحيي القلب، ويلين ما فيه من القسوة، فاجعل لنفسك وقتاً تتفكر فيه بهذا المعنى وتزور فيه المقابر وتتبع الجنائز - ومما يحيي القلب: مجالسة الصالحين الذين يذكرون الله عز وجل ويذكرونبالله - أن يكون تعلقه بربه ومعبوده وخالقه جل جلاله: يقول شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله :'القلب فقير بالذات إلى الله من وجهين:من جهةالعبادة، ومن جهة الاستعانة والتوكل فالقلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا يسر ولا يطيب، ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه، ولو حصل لهكل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبة ومطلوبة' . ولهذا كان ابنالقيم رحمه الله يقول:'إن في القلب وحشة لا يذهبها إلا الأنس بالله، وفيهحزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وفيه فاقه –يعني: فقر- لا يذهبه إلا صدقاللجوء إليه، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تذهب تلك الفاقة أبداً ..' . –

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة :

الحمد لله رب العالمين حمدا كثبر طيبا مباركا فيه ان للقلب واعماله أثر على المرء ظاهرا وباطنا وفي ذلك قال ابن عباس رضيالله عنه:'إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن،وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةفي القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق' . –

أسال اللهالسلامة في  القلب، والتسليم له _سبحانه_ والرضا به رباً وبالإسلام دينا وبمحمدرسولاً وبالقدر ووقائعه، والمحبة له _سبحانه_ ولدينه ولنبيه ولكتابهوالمحبة فيه _سبحانه_ لعباده المؤمنين، والخوف والوجل منه _سبحانه_ الذي هو أساس تقواه، والتوكل عليه _سبحانه_ والصبر على طاعته الذين هما أساس البذل لدينه والثبات عليه. والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

-         كتاب الفوائد الامام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى

-         كتاب التحفة العراقية في الاعمال القلبية الامام ابن تيمية رحمه الله تعالى

-          جامع العلوم والحكم الامام ابن رجب الحنبلي

 

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 113) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 142