السبت 11 شوّال 1445 هـ الموافق 20 أبريل 2024 م
غزوة الأحزاب(1)
السبت 13 شوّال 1435 هـ الموافق 9 أغسطس 2014 م
عدد الزيارات : 2116
قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
 
عباد الله،
في زمنِ الضّعف والانكسار، وحينما يشتدّ على الأمّة الحصار، حين تدلهمّ الخطوب، وتشتدّ الكروب، قد تتضعضع القلوب،
حتى يقول المؤمنون: متى نصر الله ؟
وإنّ هذه الحالَ الشديدة أقربُ ما تكون انطباقًا على حال المسلمين اليَومَ، وقد عصفت بهم المحَن، وأحاطت بهم الفِتن.
في هذه الأوقات ما أحوجَ المسلمين إلى مراجعةِ أحوالهم، والترتيبِ لحسنِ مآلهم، ما أحوجَنا إلى أسبابِ الثبات،
وما يُمسِّكنا بدينِنا حتى الممات، فتلك سنّة الله، فحين تشتدّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبِه الكربات، يثبِّته ربُّ الأرض والسموات، بما شاء من أسباب الثبات. واقتداءً بهذه السَّنن الإلهيّة، نعرض اليومَ إلى ذكر واقعةٍ شديدةٍ على المسلمين، وأيّامٍ عصيبة مرّت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، كانت عاقبتها نصرًا وتمكينًا، بعد أن امتحَن الله القلوبَ، وميّز المؤمنين من المنافقين، إنها غزوةُ الخندق، التي سمّاها الله تعالى بالأحزاب، وأنزل فيها سورةً تُتَلى إلى يومِ الدين والمآب. لقد وقعَت غزوة الأحزاب في مثل هذا الشّهر في شوال، بعد خمسِ سنوات من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
فمَنْ هُمُ الأحزاب؟
ومن هم المدبِّرون لهذه الغزوة؟
ما هي حال الأحزاب؟
وما حال المسلمين مع نبيهم صلى الله عليه وسلم؟
ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مقابلة هذا الحدث العظيم؟
وما هي عاقبة الأحزاب؟
الأحزاب هم: قريشٌ، العدو اللدود المناوئ للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعها حلفاؤها، وقبائلُ غطفان وما حولها. والكلُّ يبلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل، جيشٌ ربما يزيد على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ.
من هم المحزِّبون؟
ومن هم أصحاب هذه المكيدة العظيمة في التاريخ؟
إنهم أصحابُ الغدر والخيانة، الذين يعملون من خلف الكواليس وفي الدهاليز، الذين يخططون في ظلام الليل ليصبح الناس غرقى وهدمى من تدابيرهم، إنهم من لا يزال المسلمون يذوقون ويتقلبون في مكائدهم (وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مّنْهُمْ). إنهم اليهود، الذين غضب الله عليهم في كتابه، وجعل منهم القردة والخنازير. وقبل أن نسرد أحداث هذه الغزوة وما فيها من الأحكام والعبر، نذكر مقدمة لا بد منها: عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة عمل معاهدة مع قبائل اليهود الثلاث التي كانت تسكن المدينة وضواحيها، وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكتبت هذه المعاهدة في صحيفة، وتنص هذه المعاهدة على أن لليهودِ دينُهم وللمسلمين دينهم، وأن بينَهُم النصح والنصيحة. وأنَّ بينهمُ النصرُ على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محارَبين. وأنه لا تجارى قريشٌ ولا من نصرها. وأن بين المسلمين واليهود النصر على من دَهَم المدينة. هذه أهم بنود هذه المعاهدة، واستمر الأمر في المدينة على هذه الحال إلى أن نقض بنو قينقاع عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصبوه العداء، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن حاصرهم، ثم طردهم وأخرجهم من المدينة إلى خيبر. وبقي الأمر كذلك إلى أن حاول بنو النضير اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وقتله، فحاصرهم عليه الصلاة والسلام، ثم أجلاهم عن المدينة. فلجأوا إلى إخوانهم الذين أخرجوا من قبل. ولم يبق في المدينة على عهده من اليهود إلا بنو قريظة. وعاد الأمن والسلام، وهدأت الجزيرة العربية، إلا أن اليهود -الذين كانوا قد ذاقوا ألواناً من الذلة والهوان نتيجة غدرهم وخياناتهم، ومؤامراتهم ودسائسهم- لم يفيقوا من غِيهم ولم يستكينوا، ولم يتعظوا بما أصابَهم من نتيجة الغدر والتآمر؛ فهم بعد نفيهم إلى خيبر ظلوا يتآمرون على المسلمين ويُعِدُّونَ العِدَّةَ؛ لتصويبِ ضربةٍ إلى المسلمين تكونُ قاتلة لا حياة بعدها. ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم جرأة على قتال المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة: خرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزو النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم. فقالت قريش: يا معشر يهود، أنتم أهل العلم بالكتب الأول، أديننا خير أم دين محمد؟ فقال اليهود: بل دينكم خير من دين محمد وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. انظروا إلى بهت اليهود، يقولون: إن عبادة الأصنام والأوثان خير من عبادة الله الواحد القهار،
فأنزل الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا. أُولَئِك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) وهذا لعن لهم، وإخبار بأنهم لا ناصرَ لهم في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابتهم قريش لما أرادوا. ثم خرج وفد اليهود إلى غَطَفَان، فدعوهم إلى ما دعوا إليه قريشاً فاستجابوا لذلك، ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك، فاستجاب له من استجاب، وهكذا نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وخرَجت قريشٌ في أحابِيشِها ومن تابَعها من أهلِ تِهامة وغيرهم، وكذا غطفان، والجميع يفوقون عشرةَ آلاف، وحاصَروا المسلمين مِن نواحي المدينة. ولو بلغت هذه الأحزاب المحزبة والجنود المجندة إلى المدينة فجأة لكانت أعظم خطراً على كيان المسلمين، ولكن قيادة المدينة كانت قيادة متيقظة، فلم تكد تتحرك هذه الجيوش عن مواضعها حتى نقلت استخبارات المدينة إلى قيادتها فيها بهذا الزحف الخطير. وسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عقد مجلس استشاري أعلى، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن المدينة. وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على رأي قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال سلمان: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا. لقد اقترح حفرَ الخندق، في السّهل الواقع شمالَ غربِ المدينة، وهو الجانِب المكشوف منها، وتكون ظهور المسلمين إلى جبل سلع، ووجوههم إلى الخندق، فيمنعون كل مقتحم للخندق يريد الوصول إليهم، وأن يوضع النساء والأطفالُ في حصون المدينة وآطامِها. وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك. وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تنفيذ هذه الخطة، فوكل إلى كل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق أربعين ذراعاً، وقام المسلمون بجدٍ ونشاط يحفرون الخندق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحثهم ويساهم في عملهم هذا. ولا تسل عن تلك الروح الطيبة التي تجلت في اجتهاد الصحابة وهم يحفرون الخندق ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجعهم، وينقل معهم التراب، حتى علا التراب جلدَه الطاهر، في بردٍ شديد وجوعٍ عتيد، لقد كانوا يربطون على بطونهم الحجارة من شدة الجوع. يقول أبو طلحة رضي الله عنه: شكَونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوعَ ورفعنا عن بطونِنا عن حجرٍ حَجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنِه حجَرين، ومع ذلك كانوا صابرين ثابتين يحمَدون الله ويذكرونه ويرتجزون. فعن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصارُ يحفرون في غداةٍ باردة، فلمّا رأى ما بهم من النصب والجوع قال: (اللـهمّ إنّ العيش عيشُ الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة) فأجابوه: نحن الذيـن بايعوا محمّدًا على الجهادِ ما بقينا أبدًا وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينقل الترابَ يومَ الخندق حتى اغبرَّ بطنه.
وكان يرتجِز بكلماتِ ابنِ رواحة وهو ينقل الترابَ يقول: (والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزِلَـن سكيـنةً علينـا وثبِّت الأقدامَ إن لاقَينا إنّ الأُلى قد بَغَـوا علينـا إذا أرادوا فتنـةً أبَينا) ومع هذه الأحوال المادية الصعبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصل المسلمون عملهم في حفر الخندق، فكانوا يحفرونه طوال النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء، حتى تكامل الخندق حسب الخطة المنشودة في ستة أيام، قبل أن يصل الجيش العرمرم إلى أسوار المدينة. والحديث أيها الإخوة عن غزوة الأحزاب وما جرى فيها من أحداث قد يطول، ولعل أن يكون للحديث بقية في الجمعة المقبلة إن شاء الله - غزوة الأحزاب 2 - . أقول هذا القول وأستغفر الله.
 
12شوال1435-8-8-2014
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 114) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 143